أخلاقيات الإعلام .. ولعبة الأجندة

أخلاقيات الإعلام .. ولعبة الأجندة

شهدت المرحلة الماضية والحالية طفرة فكرية وثقافية  كبيرة التحفت بها وسائل الإعلام بشتى أنواعها واتجاهاتها ، لتظهر الوجه الخفي لممارساتها ومهنيّتها التي ترتكز على ما يسمى بـ"أخلاقيات الإعلام" مثل الموضوعية والأمانة وعدم الانحياز، حتى غدا من الصعب تمييز الوسيلة الإعلامية المتقيدة بهذه الأخلاقيات، مع هذا الكمّ الهائل من هذه الوسائل والمستخدمين من مؤسسات وأفراد ، وأصبح من البديهي جدا أن تُبرر نقل أي شيء بدعوى الحرية ، وكذلك صار من حق الحكومات والمجموعات المسلحة  أن تبرر قتلها لصحفيين  بدعوى أنه خائن وعميل!
من هذه اللمحة البسيطة عن ما نواجهه في إعلامنا حاليا حريّ بنا أن نقارن بين التنظير لأخلاقيات الإعلام والواقع الممارس لهذه الأخلاقيات، وتمييز ما مدى تطبيق هذه الاخلاقيات على أرض الواقع، في محاولة لربما تكون سطحية نوعا ما  مختصرين بذلك الحد الأدنى من مجموعة كبيرة من الأخلاقيات المنضوية تحت الإعلام الإذاعي والأفلام والمسرح والفنون والإعلام المطبوع والإنترنت، إذ يغطي هذا المجال موضوعات مختلفة وجدلية يصعب احتواءها في لمحة سريعة.
أبرز ما يمكن التطرق إليه في هذا المقام هو عملية "التلاعب بالأخبار والمعلومات"، أو مايسمى مهنيا بترتيب الأجندة الخفية، حيث يمكن التلاعب بالأخبار والتلاعب فيها وإبراز بعضها دون الأخرى، و قد تحاول المؤسسات الإعلامية التلاعب بالإعلام الإخباري؛ فمثلا ما يحصل في دول العالم الثالث بصفة أكبر من رقابة على الصحافة وتقييد الحرية الصحفية يشكل أكبر خرق على هذه الأخلاقيات ، ومن الجانب الآخر دول العالم الكبرى اقتصاديا وثقافيا وعسكريا  في أحيانٍ كثيرة تخرق تلك القوانين بقدر ما تتشدق بها في العالم وهذا ما حصل في العراق  وأفغانستان مثلا.
إن هذه العملية يطلق عليها اصطلاحا في العرف الصحفي بعملية "التضحية بالحقيقة"، ومفادها أن الحقيقة هي أول ضحايا وسائل الإعلام الموجهه، حيث تعمل كل وسيلة إعلامية وفق مبادئ وأخلاقيات خاصة بها، قد تتماشى مع أخلاقيات الإعلام التنظيرية مثل الموضوعية والإنصاف والعدالة، وقد لا تتماشى، وفي كثير من الأحيان تتغنى هذه الوسائل بأخلاقيات الموضوعية وشقيقاتها، ولكنها على أرض الواقع تميل بشكل خفي إلى أجندة مرسومة ومخطط لها لخدمة أهدافها، وكأنها تقوم بعملية "بث السم .. في العسل"
ومن القيم التي تستند عليها لعبة الأجندة، هي القيم الاجتماعية والثقافية لمجتمع معين، فما هو مقبولٌ عندي  وفي مجتمعي ربما لا يكون مقبولا في مجتمعٍ آخر كمثل التحدث عن الشذوذ الجنسي في دولة توصف بأنها محافظة وذات طابع ديني مثل عمان ، هو طبعا عكس ما تتقبله بعض المجتمعات مثل المجتمع الغربي الذي اصبح من الطبيعي جدا أن يتحدث عن هذا الموضوع وحتى ممارستها بكل أريحية. ولدينا مثال من أرض الواقع وهو عندما تطرقت إحدى الصحف المحلية العمانية إلى موضوع عن الشذوذ الجنسي، والذي أحدث إلى زوبعة وضجة في المجتمع، مما أدى إلى الزج بالمسؤولين عن المنشور الصحفي إلى أروقة المحاكم.
على الجانب المقابل، ليست القيم المجتمعية والثقافية هي من تحدد الأجندة فقط، بل حتى المصلحة العامة والسياسة الخاصة للدول، فمثلا يعتبر الكشف عن الأسرار العسكرية والمعلومات الحكومية الأخرى الحساسة متعارضًا مع المصلحة العامة، حتى لو كان حقيقيًا. ولكن ليس من السهل تعريف مصطلح المصلحة العامة؛ حيث أنه يكون متعارضا مع مصالح حكومة معينة ولكنه يفيد دول أخرى في معرفة نوايا حلفاءها كمثال: وثائق ويكيلكس تضر بمصالح الولايات المتحدة ولكنها كشفت عن الوجه الحقيقي لها عند من تعتبرهم حلفائها كألمانيا.
كذلك تلعب عملية "الصورة النمطية" دورا مهما في لعبة الأجندة حيث إن كل من الدعاية والإعلان، والإعلام الترفيهي، يستخدمان الصور النمطية بكثرة. وقد تؤثر الصور النمطية بشكل سلبي على رؤية الأشخاص لأنفسهم أو قد يؤدي استخدامها إلى ترويج سلوكيات غير مرغوب فيها اجتماعيًا. ومن أمثلة موضوعات الجدل الرئيسية: التصوير النمطي للرجال والثراء وفي الوجه المقابل تصوير النساء في إعلانات الجمال بطريقة مثيرة، وهذا الحاصل بشكل كبير حتى أصبحت المرأة كالسلعة ، وكذلك الترويج والشيطنة لفئة معينة من المجتمع وهذا ما سيخلق تطرفًا وعنصرية بين فئات المجتمع وتخلخل الأمن وهذا الحاصل مثلا في مصر.

وبين هذه العمليات الإعلامية، تبقى أخلاقيات الموضوعية والأمانة وعدم التحيّز مطلبا لكل ممتهن للصحافة، إلا أن الأجندة على الوجه المقابل تظل أحد العوامل المؤثرة في كل وسيلة إعلامية دون استثناء، وهنا تأتي ضرورة الموازنة بين الأمرين، حتى تبقى "المعلومة" محافظة على رونقها، وتحقق الوصول للشرائح المستهدفة دون تحوير أو تدوير.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

منار المجد

فاشل في الحب

حرف حب ضائع